حتشبسوت: الفرعونة التي صنعت عصرًا ذهبيًا للتجارة والسلام في التاريخ

تُعد الملكة حتشبسوت واحدة من أشهر الشخصيات التي حكمت مصر القديمة، حيث سجلت عهدها فترة استثنائية من السلام والازدهار الاقتصادي، وكانت حتشبسوت فرعونة استثنائية تحدت التقاليد بحكمها المبهر واستراتيجياتها الناجحة في البناء والتجارة. حكمت حتشبسوت لمدة 22 عامًا تقريبًا، قادت مصر نحو ازدهار غير مسبوق خلال الدولة الحديثة، مبرهنة أن القوة السياسية ليست حكرًا على الرجال.

كيف أصبحت حتشبسوت فرعونة تحكم مصر بقوة ونفوذ؟

نشأت حتشبسوت في قلب العائلة المالكة، فهي الابنة الكبرى للملك تحتمس الأول والملكة أحمس، وعندما توفي والدها تزوجت من أخيها غير الشقيق تحتمس الثاني؛ وبعد وفاة زوجها، كان وريث العرش تحتمس الثالث لا يزال صغير السن، فبدأت الوصاية عليه. ولكن بفضل طموحها ورؤيتها السياسية، لم تكتفِ بالوصاية بل أعلنت نفسها فرعونة، متبنية ألقاب الملكية الذكورية، وظهرت في التماثيل مرتدية اللحية المستعارة والملابس الفرعونية، لتثبت شرعيتها في مجتمع يهيمن عليه الرجال، وهذا الأمر جعل عهدها فريدًا في تاريخ مصر القديم.

إنجازات حتشبسوت في البناء والتجارة التي رسمت عصرها الذهبي

تميز حكم حتشبسوت بالسلام الداخلي، ما أتاح لها التركيز على مشروعات البناء الواسعة وتنشيط الاقتصاد عبر التجارة. من أبرز إنجازاتها المعمارية معبد الدير البحري الواقع في الضفة الغربية للأقصر، وهو معبد مميز بثلاثة مصاطب منحوتة في الصخر وجدرانه مزينة بنقوش تحكي قصة ولادتها الإلهية وأعمالها الملكية؛ بالإضافة إلى مسلَّتين عملاقتين من الجرانيت أمروها ببنائهما في معبد الكرنك تكريمًا للإله آمون، إحداهما ما زالت قائمة حتى اليوم. على الصعيد التجاري، عادت حتشبسوت لتفعيل القناة التي تربط بين نهر النيل والبحر الأحمر، وأعادت فتح المناجم والمحاجر التي كانت مهجورة، ولكن أكثر إنجاز تجاري بارز كان بعثة التجارة إلى بلاد بونت، التي استوردت من خلالها بخورًا ومرًا وأنواعًا نادرة من الأخشاب والعاج والجلود والحيوانات المفترسة، مما ساعد على ازدهار الاقتصاد المصري. وقد تم توثيق هذه البعثة بتفصيل في نقوش معبدها.

سبب محاولة محو ذكرى حتشبسوت رغم إرثها العظيم وتأثيرها التاريخي

رغم أن حكم حتشبسوت كان فترة ازدهار وازدهرت خلالها مصر، إلا أن نهاية عصرها شهدت محاولات طمس ذكرى وجودها، خاصة عندما استلم تحتمس الثالث الحكم بعد وفاتها. فقد قام بتحطم تماثيلها ومحو نقوشها واستئصال اسمها من السجلات؛ ويرجح أن هذا لم يكن بدافع الحقد الشخصي، بل كانت محاولة لإعادة التأكيد على الشرعية الذكورية للحكم السياسي المصري في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن إرث حتشبسوت بقي خالدًا في التاريخ من خلال إنجازاتها المعمارية والتجارية التي تظهر عبقريتها الإدارية ونظرتها المستقبلية الطموحة، ما يجعلها رمزًا للقوة والتحدي النسائي في مصر القديمة.