أم كلثوم.. رحلتها من إنشاد طماي الزهايرة الديني إلى الشهرة العالمية الآن

ولد صوت أم كلثوم في قريتها الصغيرة طماي الزهايرة، حيث بدأت رحلتها الفنية من الإنشاد الديني لتصبح رمزًا خالدًا في عالم الغناء العربي، مع صوت تعلوه الروحانيات والوجدان الوطني.

النشأة في طماي الزهايرة ومسيرة الإنشاد الديني التي شكلت صوت أم كلثوم

ولدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، المعروفة بأم كلثوم، في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية، بتاريخ 31 ديسمبر 1898، في أسرة محافظة كانت مصدر إلهام مبكر لها؛ فقد كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي مؤذنًا ومنشدًا دينيًا، وكان قد لاحظ موهبة ابنته الهائلة حينما أدرجها في فرقة الإنشاد الديني التي أسسها، وبدأت رحلتها في سن مبكرة لم تتجاوز السادسة. حفظت القرآن الكريم في الكتّاب، ما منحها فصاحة لغوية وقدرة كبيرة على الأداء الفصيح، كان لذلك تأثير واضح في جلال صوتها وقوته. بعد انتشار شهرتها في الأرياف، انتقلت إلى القاهرة عام 1922، حيث واجهت تحديات كبيرة في بداية مشوارها لكنها سرعان ما جذبت اهتمام النخبة الثقافية والفنية، مما ساعدها على ترسيخ مكانتها كرمز غنائي كبير.

مرحلة التأسيس في القاهرة وتعاونات ملهمة مع رموز التلحين والكتابة

شهدت القاهرة في عشرينات القرن العشرين بداية احترافية لأم كلثوم، إذ تعاونت في هذه المرحلة مع أبرز ملحنيها الذين شكلوا جانبًا كبيرًا من نجاحها، مثل أبو العلا محمد الذي أهدى لها أول لحن شهير “الصب تفضحه عيونه” عام 1924، ومحمد القصبجي الذي قاد التخت الموسيقي لها وقدم لها أغانٍ رائعة مثل “قال إيه حلف ما يكلمنيش” عام 1926، بالإضافة إلى أحمد صبري النجريدي الذي تعاونت معه على أغاني عدة من بينها “خايف يكون حبك”. هذا الثلاثي من الموهوبين قادها إلى الشاعر أحمد رامي الذي أصبح شاعراً خاصاً بها وكتب لها أكثر من مئة أغنية رسخت مكانتها في الساحة الفنية، وكانت هذه البداية الحقيقية التي مهدت لصوت أم كلثوم بنبض جديد واستمرار في استكشاف أعماق الغناء العربي.

ذروة المجد الوطني والفني: التعاونات الذهبية ودور صوت مصر في تعزيز القضايا القومية

بلغ صوت أم كلثوم أوجه في الستينيات وما بعدها، حيث تعاونت مع عمالقة الفن مثل محمد عبد الوهاب في ثنائية تحاشاها التاريخ إلا ليخلد أسماءهما، وقدم لها أروع الأغاني مثل “أنت عمري” و”أمل حياتي” و”فكروني” و”ألف ليلة وليلة”، وبجانب ذلك كان لرياض السنباطي مكانة بارزة من خلال أغانٍ مثل “الأطلال” و”رباعيات الخيام”، وبليغ حمدي الذي أضفى ألوانًا جديدة لألحانها عبر أغنيات “حب إيه” و”بعيد عنك”. إلى جانب تألقها الفني، كان لصوت أم كلثوم دور وطني بارز، خصوصًا بعد نكسة 1967، إذ جابت العالم العربي وأوروبا بجولات غنائية قدمت إيراداتها دعماً للمجهود الحربي، معززة بفنها رسالة الوحدة العربية القوية من خلال أغانٍ مثل “أصبح عندي الآن بندقية” و”والله زمان يا سلاحي” و”إلى فلسطين خذوني”.

اسم الأغنية الملحن السنة
أنت عمري محمد عبد الوهاب 1964
أمل حياتي محمد عبد الوهاب 1965
فكروني محمد عبد الوهاب 1966
الأطلال رياض السنباطي غير معروف
حب إيه بليغ حمدي غير معروف

صوت مصر كان هذا ليس عنوانًا فقط، بل هو حقيقية تعيشها أم كلثوم التي لم تكتف بالغناء الرومانسي والوجداني، بل جعلت من صوتها سلاحًا فنيًا في التعبير عن القضايا الوطنية والقومية، انطلقت به عبر أرجاء العالم لتعزيز الروح العربية، وحفرت بحروف الذهب في تاريخ الموسيقى فصلاً لا يُمحى.

صوت أم كلثوم لم يكن مجرد أداة غنائية، بل ظاهرة فنية فريدة امتازت بمدى صوتي واسع، يلتقط سهولة التنقل بين الطبقات للمسرح مع احتفاظه بالرنين الشهير دون تضخيم إلكتروني، وهذا ما منحها ألقًا في الحفلات المباشرة لا يشوبه شائب، تاركة إرثًا ضخمًا يضم قرابة 320 أغنية، وكانت وفاتها في 3 فبراير 1975 نهاية عهد لصوت خالد بقي حاضرًا في كل منزل وزاوية من الوطن العربي، حيث يظل “صوت مصر” علامة مضيئة في سماء الطرب العربي، لا يعادله زمن ولا ينافسه حال.