الآن تعرف على رحلة أم كلثوم من الإنشاد الديني في طماي الزهايرة إلى سيدة الغناء في القاهرة 2025

صوت أم كلثوم الذي أثّر في تاريخ الموسيقى العربية يمتد من طماي الزهايرة الصغيرة إلى أضواء القاهرة الكبيرة، حيث أصبحت “كوكب الشرق” و”سيدة الغناء العربي” رمزًا خالدًا في قلوب الملايين، يجمع بين الإحساس الفني والبعد الوطني في كل نغمة وأداء.

نشأة ونمو أم كلثوم في طماي الزهايرة ومسيرتها مع الإنشاد الديني

ولدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، المعروفة بأم كلثوم، في 31 ديسمبر 1898 في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية، ونشأت في بيئة دينية عميقة كان والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي المنشد والمؤذن فيها، حيث دمجها مع فرقة الإنشاد الديني التي أسسها وهو ما شكّل بداياتها الفنية منذ سن مبكرة، فضلًا عن حفظها للقرآن الكريم في الكتّاب مما ساهم في إتقانها لفصاحة اللغة وأداء القصائد الفصيحة التي منحها صوتها الحكمة والجلال، وبعد أن لمع نجمها في القرى المجاورة، قررت الانتقال إلى القاهرة عام 1922 لمواجهة تحديات أكبر في عالم الغناء، حيث استقطبت الأنظار إليها بفعل صوتها الفريد رغم صعوبة المنافسة في الوسط الفني آنذاك.

تأسيس مكانة فنية لأم كلثوم في القاهرة عبر علاقاتها مع كبار الملحنين

شهدت العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي مرحلة بناء صلبة لمسيرة أم كلثوم الغنائية في القاهرة، إذ تعاونت مع مجموعة من الملحنين الذين كان لهم دور بارز في صقل موهبتها وتوسيع جمهورها، بداية مع أبو العلا محمد حيث غنت قصيدة “الصب تفضحه عيونه” عام 1924، إلى جانب محمد القصبجي الذي أسهم بقيادة التخت الموسيقي الخاص بها وقدم لها ألحانًا شهيرة مثل “قال إيه حلف ما يكلمنيش”، وكذلك أحمد صبري النجريدي الذي ساعدها في أغاني عدة منها “خايف يكون حبك”، وهذه التعاونات هدفت إلى تطوير نغمتها الغنائية وتوثيق علاقتها مع الشاعر أحمد رامي الذي ملأ مسيرتها بأكثر من مئة أغنية، فكان علامة فارقة في رحلتها الفنية الطويلة.

أم كلثوم: “صوت مصر” ودورها الوطني في دعم الوحدة والقضايا العربية

لم يكن صوت أم كلثوم محصورًا في التعبير عن الحب والمشاعر فقط، بل امتد ليصبح صوتًا وطنيًا لا يُنسى، خاصة بعد نكسة 1967 التي كانت نقطة تحول مهمة، حيث جالت في العالم العربي وأوروبا في حفلات دعم لإعادة بناء الجيش المصري وتعبير عن الوحدة العربية، مستعينة بمجموعات غنائية وطنية مهمة مثل “أصبح عندي الآن بندقية” و”والله زمان يا سلاحي” و”إلى فلسطين خذوني”، مما جعلها تمثل صوت الأمة وكفاحها، كما أنها كوّنت ثنائيات فنية ذهبية مع الملحنين محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي، وبليغ حمدي، وهم الذين أبدعوا أغاني خالدة كـ”أنت عمري” و”الأطلال” و”حب إيه”، تلك الألحان التي أكدت على مكانتها كأيقونة لا يغيب تأثيرها في الذاكرة العربية.

الملحن أشهر الأغاني
محمد عبد الوهاب أنت عمري، أمل حياتي، فكروني، ألف ليلة وليلة
رياض السنباطي الأطلال، رباعيات الخيام، أراك عصي الدمع، ودارت الأيام
بليغ حمدي حب إيه، بعيد عنك

المزايا الصوتية والفنية التي تميز بها صوت أم كلثوم

لعبت الميزة الصوتية دورًا محوريًا في شهرة أم كلثوم، فصوتها كان واسع المدى يمتد إلى ثلاثة أوكتافات، مع قدرة غير مسبوقة على التنقل بين الطبقات الصوتية بسلاسة مدهشة، محققًا رنينًا قويًا دون الحاجة لتقنيات تضخيم، وهي خاصية عززت حضورها المؤثر والحضور المباشر في الحفلات دون أن تفقد الصوت وضوحه وسط الأوركسترا، وهذا ما جعل أغانيها تعكس حالة وجدانية وروحانية فريدة جذبت المستمعين من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية، مما صقل قضيتها الفنية والوطنية.

حين نستعرض مسيرة “كوكب الشرق” نجد أنها لم تقتصر على الأداء الغنائي وحسب، بل كانت صوتًا يعبّر عن وجدان أمة بأكملها، جابت بها العالم وشدّت أواصر الوحدة والهوية العربية، تاركة إرثًا يزداد تألقًا عبر السنوات، حيث ما زال صوتها الحي يتردد في كل مكان، مؤكدًا على مكانتها الخالدة في الذاكرة العربية والفن العالمي.